التخطي إلى المحتوى الرئيسي

هالة التشات جي بي تي ChatGPT

 



يتسابق الجميع في إدخال الذكاء الاصطناعي في عملياته ومنهم من ينتظر، وبعضهم يزعم استخدامه من أجل إظهاره تطوره وقدراته فتراه مثلاً يدخل Chatbot للتواصل مع العملاء وتتفاجأ أنه يستسلم من أول جولة ويحولك إلى الموظف، ثم جاء ChatGPT وأعطى الناس فكرة بسيطة عن الإمكانيات الحقيقية المذهلة للذكاء الاصطناعي في المستقبل، وما يدور خلف الكواليس في غرف شركات التكنولوجيا العملاقة. 

لا شك أن بزوغ هذا النجم والحديث عنه في الإعلام بكثافة جعلنا نستمع لبعض من استخدمه ومدحه أو ذمه وقد جربته بنفسي قليلًا لأرى إمكانياته، ولا شك أنه مبهر للوهلة الأولى وربما هذا ما جعله حديث الناس حيث تلقفه الإعلام وكالعادة قام بتهويل إمكانياته وهذا ديدنهم (وطبعًا في بلادنا ممكن أكثر شوية لأنه طاسه وضايعه إلى حد ما) لكن بشكل عام الإنسان متعطش دائما بالفطرة لأي جديد ومثير (هكذا جُبل دماغنا)، والإعلام يجري خلف الأخبار التي تصدح لأنها بالمال تصدع، وقد أصبحت التكنولوجيا كغيرها من المواضيع يتحدث بها الناس في جلساتهم مثلها مثل كل شيء آخر وليست محصورة على المتخصصين وخصوصاً بعد وصول الانترنت والهاتف الذكي أيدي الجميع. لكن لا يعني هذا أن تسرعهم وتهويلهم كله هراء، لأن التكنولوجيا بشكل عام قد تبدأ أحيانا بشكل سيء وتتطور شيئا فشيئًا حتى تنسف ما سبقها وتحل محله وأحياناً تعمل تغييرات جذرية في نواحي عديدة حسب نظرية disruptive technology والتي يتبناها بروفيسور هارفارد كلايتون كريستنزن، هل تذكرون كيف كان أول هاتف محمول وأول كاميرا في الهاتف المحمول؟ وأول جهاز حاسوب؟ وكثير من الأمثلة، لكن الفرق أنها كانت تأخذ سنوات طويلة حتى تقلب الطاولة وأصبحت تفعل ذلك بطريقة أسرع. أنظر كيف كانت ترجمة جوجل مضحكة وتافهة عندما بدأت وكيف تطورت بسرعة وأصبحت مفيدة الآن؟    

أنا في اعتقادي ChatGPT قد يسير هذا المسار ويتطور بشكل كبير وسيؤثر فعلًا على بعض الوظائف، ونحن نعلم أن استخدام الذكاء الصناعي ليس بالجديد، ففي كتابة المحتوى الصحفي مثلا حوالي ثلث محتوى أخبار بلومبيرج الشهيرة تمت من خلاله حسب كلام بروفيسور اكسفورد دانييل ساسكند. 

لكن يظل التنبؤ بالتكنولوجيا وتطورها وأثرها التقني والاقتصادي والاجتماعي صعب جداً، فمن كان يتخيل أننا بعد كل التطورات الجرافيكية GUIوطرق التعامل الحديثة مع الكمبيوتر والتكنولوجيا Human-computer interaction  سنعود ونجلس ونكتب وكأننا أيام الدوس DOS السوداء التي لم يكن أحد من العامة ليجرؤ ويكتب حرفاً دون تدريب وفهم للأوامر، أصبح الآن بمقدور أي أحد الكتابة بلغة بسيطة وسهلة الحصول على الكثير، رغم اتفاقنا على رداءة جودة النتائج في بعض الأحيان وشح المصادر الذي يزودها النظام وموضوع التحيز بسبب ارتباطه بالبيانات التي تعلم عليها وغيرها من مثالب، لكن كما قلنا هذه مجرد بداية، ودخول الشركات الكبيرة مثل مايكروسوفت وجوجل دليل أن هناك مستقبل واعد.          

أنا أتفق مع ساسكند وغيره ممن يعتقد أن تطور التكنولوجيا وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي سيغير الوظائف بشكل كبير لدرجة أن على الحكومات التفكير بطرق إبداعية لتتدارك تلك التغييرات وتهيئ المجتمع لها، هذا الكلام طبعًا قد يأخذ سنوات بسبب العوامل العديدة التي قد تغير الاتجاهات والمسارات وتسارعها كما نعلم من نظرية أداء التطور التكنولوجي technology S-curve، لكن التاريخ علمنا أن التكنولوجيا لا محالة ستبيد وظائف وتغير أخرى شئنا أم أبينا، لكننا لن نحدد بدقة متى ستصل كل بلد وكم سيكون أثرها؟  

 

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تعلم على راحتك

من فترة جاءت برفيسور لندا هيل من هارفرد الى الكويت وكانت محاضرتها ليلاً ( يعني بدك تترك أولادك وبعد تعب الدوام واللي زي بنام  بدري فيها غلبة  كثير   ، وطبعا لازم تسجل وقصة) ، وكعادتي كتبت ملاحظات للاستفادة والإفادة من خلال مدونتي باقتباس تعليق أو جملة مفيدة أو مصدر مهم! لكني وجدت محاضرة لها على تيد  TED  شبيهة جداً بما قدمته لنا وها أنا أنشره لكم للفائدة ( هنا ) لأنها كانت محاضرة مميزة. رسالتي هنا ، أننا  حقاً محظوظون مقارنة بمن سبقونا ،  فنحن  نشهد وفرة كبيرة من المعلومات التي يمكن الاستفادة منها دون تعب أو سفر ، خصوصاً مع توفر الكثير من المصادر المتاحة دون تكلفة أو تكلفة بسيطة ، من خلال الانترنت سواء القصيرة أو الطويلة الممنهجة مثل  coursera , edx, udemy, Khan Academy, TED talk, HBR , MIT opencourseware    وطبعاً الكتب الالكترونية المتوفرة الآن بطريقة خيالية لا نحتاج إلى سفر (ولا نوصي حد من الجامعة الاردنية وهو نازل على الجسر: كما كنا نفعل أيام الجامعة في آواخر التسعينتات)    ، الآن مباشرة من أمازون كندل ،  أنا شخصياً تعلمت كثيراً ولا أبالغ إن قلت أنني تعلمت ذاتياً أكثر مما

الوقت المناسب لإعادة الهيكلة

رئيس تويوتا السابق يقول بما معناه "الوقت المناسب لإعادة هيكلة الأعمال هو عندما تكون الأمور جيدة "، هذه الفلسفة التي قد تكون غريبة في ظاهرها إلا أنها وراء النجاح الكبير لشركة تويتا التي تظل تطور وتحسن في نفسها على الدوام فلا تركن لنجاحها مهما دام.  قد تصلح هذه الفلسفة على المستوى الشخصي فيجب ألا يركن الإنسان لمهاراته ولياقته الحالية فلا يتحسن ولا يتطور ولا يتعلم فيضمر عقله وينفخ كرشه وتضعف عضلاته ويستسلم للزمان.

التعلم بالعمل

    لا تزال مشكلة الفجوة بين الأكاديميا والعمل مستمرة رغم مبادرات عديدة وورش عمل سخية، فالحلول ترقيعية وليست جذرية. المشكلة عميقة وبحاجة إلى تغيير في فلسفة عميقة تتغلغل في لب العملية التعليمية، حيث يوظف فيها التعليم لتحفيز التعلم، ذلك البركان الهامد الذي يتنظر الإشارات الإيجابية لينطلق وتنفجر طاقاته.  إذن ببساطة نحن بحاجة لكافة الأساليب التعليمية التي من شأنها إثارة ذلك البركان لينطلق وينخرط في الحياة ويتعلم منها ويواجه تحدياتها، فهو منها وسيخرج قريباً إليها فلماذا نحشره بين حيطان مؤسسات تقليدية وكأنه في سجن أو في غربة عنها.       أحد الأساليب وربما أنجعها في هذا المجال هو أسلوب التعلم المبني على المشاريع project-based learning. التعلم من خلال عمل مشاريع أو مهام ميدانية تنتشل الطلبة من مقاعد الدراسة التي تعتمد على حل أسئلة موضوعة ضمن قالب معين لتجيب عن سؤال معين من خلال كتاب معين إلى فضاء حقيقي يكون فيه مركز الحدث وقبطان السفينة، حيث يعطى الطالب الفرصة للتفكير في السؤال نفسه وجذوره وتحديد المعطيات والبحث عن الفرضيات والمعلومات اللازمة لفهم المسألة ومقابلة المعنيين لفهم آراءهم وتقمص وجه