التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ظاهرة Angry Bird






ذكر لي دكتور فنلندي متخصص في الابتكار  قصة Angry Bird وكيف أن المصممين والمؤسسين في شركة روفيو الفنلندية قاموا بعمل أكثر من 50 محاولة قبل الوصول إلى هذه اللعبة التي حققت نجاحاً صاروخياً في تاريخ الألعاب الإكترونية من حيث عدد مرارت التحميل (٥٠٠ مليون مرة خلال سنتين) و أكثر من 3.7 بليون تحميل لجميع ألعاب الشركة حتى سيبتمبر 2017 حسب نيويورك تايمز.

قصة هذه الشركة واللعبة التي بنت عليها إمبراطوريتها ملهمة بجميع المقاييس ، حيث كانت الشركة على حافة الإفلاس عام 2009 ، ثم جاءت هذه اللعبة كطوق النجاة الذي تمسك به نيكلاس ومايكل هيد وبذلا مجهوداً كبيراً حتى ينجح ، فحاولا ثم حاولا ثم حاولا فنجحا. يقول نيكلاس هيد أحد مؤسسي الشركة عن هذه اللعبة وكيف استشف فرصة نجاحها عندما وجد جدته تنسى ديك الحبش في الفرن  في يوم عيد الميلاد بسبب شغفها بهذه اللعبة التي كانت في بدايتها وهي كما يقول لم تلعب من قبل أية لعبة الكترونية! إذن سهولة وسلاسة اللعبة كان لها سر كبير في الاختراق السريع لمختلف الأجيال ، فالبساطة دائماً سر من أسرار النجاح كما كان يقول ستيف جوبز ورفاقه في شركة أبل وقد شرح ذلك بالتفصيل كين سيجال في كتابه Insanely Simple.

صحيح أن هناك حظ كبير في سرعة الإنتشار واستغلال جيد للميديا للإعلان عنها بطريقة مباشرة وغير مباشرة ، إلا أن مفتاح النجاح في البداية كان الصبر  والمثابرة، فنجاح ليلة وضحاها استغرق ثماني سنوات كما يقول تيم شاير  الذي شرح قصة نجاح الشركة بالتفصيل ، لكني أود هنا تلخيص أهم الردوس المستفادة من ظاهرة Angry Bird :

1. المثابرة والمحاولة: كما ذكرنا ، ما تحصل من نجاح لم يكن نتاج عمل بسيط أو من أول تجربة بل كان هناك محاولات عديدة ومتكررة عمل عليها الفريق بجد حتى تكللت بالنجاح من خلال المنتج النهائي ، بل أصبحت هذه سياسة الشركة حسب مايكل هيد وهو الإرتقاء بتدرج وبتروي.   

2. التمسك بالحلم حتى يصبح حقيقة: يقول أحد أصدقاء الطفولة أن نيكلاس كان يحب ألعاب الفيزياء ويبرمج بلغة باسكال ، وعندما تأتيه فكرة لا يتركها أبداً حتى ينجزها. رسمات الخنازير هي نفسها التي كانت تجول في خاطره وكان يرسمها وهو طفل صغير في العاشرة من عمره ، وظلت في مخيلته حتى جاء الوقت لتصبح حقيقة يراها العالم تتهاوى أمام أحلام الطيور التي تدمر العوائق وتضحي بأنفسها أحياناً. 

3. التوقيت المناسب: وهنا الحديث عن اغتنام الفرص في الوقت المناسب والذي يعتبره البعض حظ جيد ، حيث تتوافر الظروف المواتية لإطلاق المنتج ، في حالة  Angry Bird كان الهاتف الذكي وخصوصاً الأيفون في تألق مع وجود منصة التطبيقات. جيف بيزوز الذي أصبح مؤخراً أغنى رجل في العالم يقول في أحد اللقاءات مع مؤلف كتاب "جينات المبدعين" أنه كان يتصفح أحد المواقع التي تتحدث عن ثورة الانترنت وتطورها السريع وكان الرقم حينها 2300% سنوياً كما يذكر ، فعلم حينها أنه بحاجة إلى عمل شيئ ضمن هذه المنظومة وركوب هذه الموجة التكنولوجية العظيمة وكان له ما أراد.   

4. ليس الكبير من يأكل الصغير لكن السريع من يأكل البطيء: هذا عنوان كتاب لكن يبدو أن مؤسس شركة روفيو يعتنقه كعقيدة وهو يشعر بالخوف والقلق باستمرار وهذا دافعه للتجديد باستمرار والإبداع والإبتكار بسرعة ومواكبة الطلب على كل ما هو جديد ، فالبقاء بالمركز الاول ليس سهلاً على الإطلاق فالآخرين متربصين ، حتى أن مصمم الألعاب الياباني المعروف بلعبة سوبر ماريو تمنى أن يكون جزءاً من الفريق خلف هذه اللعبة ، حسب جريدة الجارديان.

5. استغلال البراند: هذه اللعبة ليست كأي لعبة ، صحيح أنها بدأت بسوق صغير مثل فنلندا قليلة السكان ، لكنها  انطلقت للعالمية بفضل رؤية أصحابها الثاقبة للإنتشار عالمياً ، وكان لهم ما أرادوأ مع قليل من الحظ. فأصبحت صور شخصياتها في أذهاننا بفضل ترويج مميز تم من خلاله استغلال "البراند" والانطلاق به إلى مجالات أخرى بعيدة عن عالم الألعاب ، حتى أن أكثر من 50% من دخل الشركة أصبح يأتي من خارج سوق ألعاب الموبايل. ولقد شاهدنا الفيلم الأول مثلاً وكيف حقق نجاحاً وكان مبهراً حيث جعلنا نعيش مع شخصيات كنا نحركها (أو نطيرّها) في اللعبة ، والآن هناك حدائق ومدن ملاهي تابعة للشركة باسم  Angry Bird عدى طبعاً الكثير من الألعاب والدمى والملابس كغيرها من شركات التسلية.

6. الشريك المناسب: هذه المعادلة تم طرحها كأحد أهم عوامل النجاح في الشركات المتميزة والمبدعة والتي حققت نجاحاً باهراً في سوق الأعمال ، ولعل ستيف جوبز وستيف وزنياك أعظم مثال معروف لدينا ، لكن جوشوا شينك ذكر أمثلة أخرى في كتابه ودلل على أهمية الشريك الذي يكمل الآخر ويوظف كلاهما خبرة الآخر لبناء شيئ إبداعي عظيم ، فعادة ما يكون هناك خبير تقني وآخر في ريادة الأعمال مثلاً .

7. تقديم شيء جديد: لعل اهم شيئ في هذه اللعبة هو الرسومات المستخدمة وخوصاً الطيور الغاضبة ، صحيح أنها رسومات بسيطة يمكنك رسمها بسهولة (جرب ذلك مع أطفالك) إلا انها " أوريجينال" كما يقولون أي جديدة وإبداعية لم نشاهد قبلها شيئ ولا حتى قريب منها ، تأسرك من أول ما تراها ومقبولة من جميع الأجيال، وكذلك كان مبدأ اللعبة نفسها ليس لها مثيل ، الا أنها تمسكت بروح تقليد قصة الخير والشر رغم أن الخير هنا "معصّب" ولا يبتسم ، لكنك تحبه.

وهنا أختم بالقول أن هذه اللعبة أصبحت ملهمة بحد ذاتها فقد كُتب فيها حِكم ودروس يمكن الاستفادة منها كمصمم جرافيك مثلاً أو حتى في حياتك اليومية كما كتبت هافنجتون بوست الإنجليزية  وموقع سياكولوجي توداي! 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تعلم على راحتك

من فترة جاءت برفيسور لندا هيل من هارفرد الى الكويت وكانت محاضرتها ليلاً ( يعني بدك تترك أولادك وبعد تعب الدوام واللي زي بنام  بدري فيها غلبة  كثير   ، وطبعا لازم تسجل وقصة) ، وكعادتي كتبت ملاحظات للاستفادة والإفادة من خلال مدونتي باقتباس تعليق أو جملة مفيدة أو مصدر مهم! لكني وجدت محاضرة لها على تيد  TED  شبيهة جداً بما قدمته لنا وها أنا أنشره لكم للفائدة ( هنا ) لأنها كانت محاضرة مميزة. رسالتي هنا ، أننا  حقاً محظوظون مقارنة بمن سبقونا ،  فنحن  نشهد وفرة كبيرة من المعلومات التي يمكن الاستفادة منها دون تعب أو سفر ، خصوصاً مع توفر الكثير من المصادر المتاحة دون تكلفة أو تكلفة بسيطة ، من خلال الانترنت سواء القصيرة أو الطويلة الممنهجة مثل  coursera , edx, udemy, Khan Academy, TED talk, HBR , MIT opencourseware    وطبعاً الكتب الالكترونية المتوفرة الآن بطريقة خيالية لا نحتاج إلى سفر (ولا نوصي حد من الجامعة الاردنية وهو نازل على الجسر: كما كنا نفعل أيام الجامعة في آواخر التسعينتات)    ، الآن مباشرة من أمازون كندل ،  أنا شخصياً تعلمت كثيراً ولا أبالغ إن قلت أنني تعلمت ذاتياً أكثر مما

الوقت المناسب لإعادة الهيكلة

رئيس تويوتا السابق يقول بما معناه "الوقت المناسب لإعادة هيكلة الأعمال هو عندما تكون الأمور جيدة "، هذه الفلسفة التي قد تكون غريبة في ظاهرها إلا أنها وراء النجاح الكبير لشركة تويتا التي تظل تطور وتحسن في نفسها على الدوام فلا تركن لنجاحها مهما دام.  قد تصلح هذه الفلسفة على المستوى الشخصي فيجب ألا يركن الإنسان لمهاراته ولياقته الحالية فلا يتحسن ولا يتطور ولا يتعلم فيضمر عقله وينفخ كرشه وتضعف عضلاته ويستسلم للزمان.

التعلم بالعمل

    لا تزال مشكلة الفجوة بين الأكاديميا والعمل مستمرة رغم مبادرات عديدة وورش عمل سخية، فالحلول ترقيعية وليست جذرية. المشكلة عميقة وبحاجة إلى تغيير في فلسفة عميقة تتغلغل في لب العملية التعليمية، حيث يوظف فيها التعليم لتحفيز التعلم، ذلك البركان الهامد الذي يتنظر الإشارات الإيجابية لينطلق وتنفجر طاقاته.  إذن ببساطة نحن بحاجة لكافة الأساليب التعليمية التي من شأنها إثارة ذلك البركان لينطلق وينخرط في الحياة ويتعلم منها ويواجه تحدياتها، فهو منها وسيخرج قريباً إليها فلماذا نحشره بين حيطان مؤسسات تقليدية وكأنه في سجن أو في غربة عنها.       أحد الأساليب وربما أنجعها في هذا المجال هو أسلوب التعلم المبني على المشاريع project-based learning. التعلم من خلال عمل مشاريع أو مهام ميدانية تنتشل الطلبة من مقاعد الدراسة التي تعتمد على حل أسئلة موضوعة ضمن قالب معين لتجيب عن سؤال معين من خلال كتاب معين إلى فضاء حقيقي يكون فيه مركز الحدث وقبطان السفينة، حيث يعطى الطالب الفرصة للتفكير في السؤال نفسه وجذوره وتحديد المعطيات والبحث عن الفرضيات والمعلومات اللازمة لفهم المسألة ومقابلة المعنيين لفهم آراءهم وتقمص وجه